*الشدة على أهل البدع والأهواء من هدي السلف الصالح، وهي منقبة وليست مذمة يا دعاة التمييع!*

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، الذي فرق الله به بين الحق والباطل وبين أهل السنة والهدى وأهل البدع والضلال، وبين الصراط المستقيم الذي هو صراط أهل السنة والاتباع وصراط المغضوب عليهم والضالين من أهل الكفر والإلحاد وأهل البدع والشبهات والشهوات، وجعل أتباعه خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله. وجعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم،
محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه وسار على نهجه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
«فبمحمد ﷺ تبين الكفر من الإيمان، والربح من الخسران والهدى من الضلال، والنجاة من الوبال، والغي من الرشاد، والزيغ من السداد، وأهل الجنة من أهل النار، والمتقون من الفجار وإيثار سبيل من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين من سبيل المغضوب عليهم والضالين».
[مجموعة الفتاوى ٥/١]

إن من الفتن التي عمت البلوى بها في هذا الزمان هي الحزبيات والجماعات المنتسبة للإسلام، التي أبعدت بين المسلمين وآثار سلفهم الصالح، فجعلت بعض الحق باطلا وبعض الباطل حقا، ومن تلك الأشياء هدي السلف في معاملة أهل الأهواء والبدع، التي أصبح كثير من عامة المسلمين يجهلونها، وذلك لأجل سماعهم وقراءتهم لمروجي المنهج التمييعي، الذي غايته تلبيس الحق بالباطل وكتمان الحق الذي يخالف آراء مفكريهم وأتباعهم الذين يسمون "المسلم المعاصر" ، فزهدوا الناس عن هدي السلف في كثير من الجوانب، بقصد التقريب بين الملل والنحل، فأضاعوا الحق الثابت عن السلف الصالح واتبعوا الشهوات وطرق أهل البدع والضلال، وجالسوا أهل البدع والأهواء وخالطوهم وأظهروا مودتهم وذكروهم بالمحاسن  ومجدوهم وعظموا كتبهم، وأخذوا يعتذرون لهم بما لا يعتذرون لأهل السنة به، ولم يحذروا عنهم، ويبغضون من يحذر منهم، ويرمونه بالغلو تارة وبأسماء ينفرون العامة عنه تارة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهو يتكلم عن الاتحادية ويدخل في كلامه أيضًا أهل البدع كلهم:

«ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذبَّ عنهم، أو أثنى عليهم، أو عظَّم كتبهم، أو عُرف بمساعدتهم ومعاونتهم، أوكره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يُدرى ما هو، أومَنْ قال أنه صنف هذا الكتاب؟ وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات، لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء، وهم يسعون فى الأرض فسادًا ويصدون عن سبيل الله، فضررهم فى الدين أعظم من ضرر من يفسد على المسلمين دنياهم ويترك دينهم كقطاع الطريق،وكالتتار الذين يأخذون منهم الأموال ويبقون لهم دينهم»
[مجموعة الفتاوى ١٣٢/٢]

فقد كان السلف -رحمهم الله- يغلظون على أهل الأهواء والبدع أشد التغليظ، ولا يجالسونهم بل ويربون الناس على ذلك.

قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى:
«أهل البدع لا ينبغي لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأنس بهم». [الإبانة لابن بطة ٤٩٥].

وقال الفضيل بن عياض رحمه الله:
«من جلس مع صاحب بدعة فاحذره، ومن جلس مع صاحب البدعة لم يعط الحكمة، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب البدعة حصن من حديد، آكل عند اليهودي والنصراني أحب إلي من أن آكل عند صاحب بدعة».
[الحلية ١٠٣/٨،  اللالكائي ١١٤٩].

وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى، في رسالته إلى مسدد:
«ولا تشاور صاحب بدعة في دينك، ولا ترافقه في سفرك!».
[الآداب الشرعية ٥٧٨/٣].

وقال الإمام أبو محمد البربهاري رحمه الله تعالى:
«إذا ظهر لك من إنسان شيء من البدع فاحذره، فإن الذي أخفى عنك أكثر مما أظهر!».
[شرح السنة ١٤٨].

وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى:
«هجران أهل البدع والفسوق، ومنابذي السنة مع العلم؛ يجوز هجرانهم دائما!».
[شرح مسلم ١٠٦/١٣].

وقال الخطابي رحمه الله تعالى:
«إن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة على مرّ الأوقات، ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق!».
[النهاية ٢٤٥/٥ ، لسان العرب ٢٥٠/٥ ، عون المعبود ٤٥٧٦].

وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى:
«ويجب هجر من كفر أو فسق ببدعته أو دعا إلى بدعة مضلة أو مفسقة على من عجز عن الرد عليه، أو خاف الاغترار به والتأذي دون غيره».
[الآداب الشرعية ٢٣٧/١].

وقال ابن الأثير -رحمه الله تعالى:
«هجر أهل الأهواء والبدع مطلوب أبدا».
[فيض القدير ٤٣٩/٦].

وأما الرجل يماشي صاحب هوى فلا يخفى حكمهم عليه، فقد قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
«إنما يماشي الرجل ويصاحب من يحبه ومن هو مثله!».
[الإبانة ٤٩٩، ٥٠٠ ، شعب الإيمان ٩٤٣٩].

وقال أيضا:
«لو أن مؤمنا دخل مسجدا فيه مائة نفس، ليس فيهم إلا مؤمن واحد للجاء حتى يجلس إليه، ولو أن منافقا دخل مسجدا فيه مائة ليس فيه إلا منافقا واحدا للجاء حتى يجلس إليه».
[الرد على المبتدعة لابن البنا "مخطوط بالجامعة الإسلامية برقم: [١٦٢٩].
قال الشيخ جمال بن فريحان الحارثي -حفظه الله- :
ج/ للجاء؛ هكذا في المخطوطة، ولعلها تكون؛ لجاء لمناسبتها سياق الجملة. والله أعلم. [لم الدر المنثور ١٧٦].

وقال يحيى بن أبي كثير -رحمه الله- : «قال سليمان بن داود عليه السلام: لا تحكموا على أحد بشيء حتى تنظروا من يخادن!».
[الإبانة ٤٦٠].

وقال أبو حاتم رحمه الله تعالى:
«قدم موسى بن عقبة الصوري بغداد؛ فذكر لأحمد بن حنبل؛ فقال: انظروا على من نزل وإلى من يأوي!».
[الإبانة ٥١٤].

وقال الأعمش رحمه الله تعالى:
«كانوا لا يسألون عن الرجل بعد ثلاث: ممشاه، ومدخله، وألفه من الناس!».
[الإبانة ٤١٩].

وقال الإمام هشام بن حسان الأزدي رحمه الله تعالى:
«إن أيوب السختياني دعي إلى غسل ميت، فخرج مع القوم فلما كشف عن وجه الميت عرفه فقال: أقبلوا قبل صاحبكم فلست أغسله؛ رأيته يماشي صاحب بدعة!».
[الإبانة ٤٩٨].

وقال ابن مسعود رضي الله عنه:
«اعتبروا الأرض بأسمائها، واعتبروا الصاحب بالصاحب!».
[الكامل في الضعفاء: ١٦٣/٢ ، الإبانة ٥٠٣ ، شعب الإيمان ٩٤٤٠ ، كشف الخفاء ٤١٤].
قال الفضيل بن عياض -رحمه الله تعالى- عقب هذا الحديث:
«فلا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالي صاحب بدعة إلا من النفاق!».
[الرد على المبتدعة لابن البنا " مخطوط" مخطوطات الجامعة الإسلامية برقم: ١٦٢٩].

وقال معاذ بن معاذ ليحيى بن سعيد -رحمهما الله:
«يا أبا سعيد، الرجل وإن كتم رأيه لم يخف ذاك في ابنه، ولا صديقه، ولا في جليسه!».
[الإبانة ٥٠٩].

وقال أبو داود السختياني -رحمه الله- :
«قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلا من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة، أترك كلامه؟ قال: لا؛ أوَ تعلمه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه فكلمه، وإلا فألحقه به؛ قال ابن مسعود: المرء بخدنه!».
[طبقات الحنابلة ٢١٦].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
«ومن كان محسنا للظن بهم وادعى أنه لم يعرف حالهم؛ عُرِّف حالهم، فإن لم يباينهم، ويظهر لهم الإنكار، وإلا ألحق بهم، وجعل منهم!».
[مجموع الفتاوى ١٣٣/٢ ، الشهادة الزكية ٩٦].

وللمزيد من الآثار السلفية النقية، الخالية عن المجاملة والغش والمداهنة، أنصح الأخ الكريم/الأخت الكريمة بمراجعة كتاب -لم الدر المنثور في الاعتقاد والسنة (الذي هو كتاب الذي نقلت هذه الآثار عنه والذي راجعه وقدم له معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ -وزير الشؤون الإسلامية) للشيخ جمال بن فريحان الحارثي حفظه الله تعالى ونفعنا بعلمه إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أخوكم في الإسلام والسنة -أمين ثالث يعقوب- (وفقه الله).

الأربعاء ١٣ /٩/ ١٤٣٩هــ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

MADAKHILAH?!